مفكر إسلامي
خاص لـ هات بوست :
ينص الدستور في معظم الدول العربية على أن “الشريعة الإسلامية هي المصدر الأساسي للتشريع”، عدا عن أن “دين الدولة الإسلام” أو “دين رئيس الجمهورية الإسلام” في حالات عدة، وتعتمد “الشريعة الإسلامية” بدورها على مصادر أربعة هي كما وردت في الفقه: القرآن الكريم – السنة – الإجماع – القياس.
واعتبر “المسلمون” على مدى عقود من تاريخ إنشاء الدستور في دولهم أن هذا حق طبيعي بصفتهم الأكثرية، فالإسلام بالنسبة لهم هوية في ظل التباس شاب تحديد هذه الهوية ما بين الوطن والقومية والأمة، ومن ثم فإن اعترافه بأركان الإسلام الخمسة “المزعومة” تحدد أهلية الفرد لاعتلائه أعلى منصب في الدولة، ولا أهمية هنا للمرجعية الأخلاقية، واعتمدت القوانين لا سيما في الأحوال الشخصية والجنايات على أحكام “الفقه الإسلامي” وألزم بالتالي الناس على التعامل مع ما رأه الشافعي أو أبو حنيفة مناسباً لمجتمع العصر العباسي، كرهاً أو طواعية، فحتى من شعر بالظلم فإن “الله” قد أراد ذلك، ولا يملك اعتراضاً أمام حكم الله.
فإذا عدنا للتنزيل الحكيم وجدنا بداية أن {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} (البقرة 256) والإكراه عادة بيد من يملك أداته، وهو السلطة، و “لا” نافية للجنس، أي لا سلطة للدين، وحكم الله هو محرماته التي تشكل القيم الأخلاقية المتراكمة عبر آلاف السنين من تطور الإنسانية، ابتداءً من بر الوالدين مروراً بتحريم قتل النفس إلى العدل في الميزان إلى محرمات النكاح، والتاريخ لا يمكن أن يسير إلا للأمام، ونظرة سريعة على برلمانات العالم تكفي لأن نقول “صدق الله العظيم” فلم يسبق لبرلمان أن صوت على إحدى المحرمات، ولا يقف عندها مؤمن بالله أو ملحد.
وإذا بحثنا عن الشرائع في التنزيل الحكيم وجدنا أنها حدودية لا حدية، تبدأ العقوبات فيها من العفو وتنتهي بالإعدام على جريمة واحدة لا غير هي قتل النفس، ووجدنا أن حد ارتكاب الفواحش يستلزم العلنية، وهو الجلد وليس الرجم، ولا يوجد ما يسمى “حد الردة”، وقطع يد السارق هو كف يده عن المجتمع وليس البتر وإلا لأصبحت التوبة لا معنى لها بعد قطع “الأيدي”{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (المائدة 38 -39).
أما في قوانين الأحوال الشخصية فسنة الله ورسوله في الزواج هي كيفية زواجه (ص) من خديجة بنت خويلد، وهي ما درج عليه أهل الأرض من ميثاق وإعلان والتزام لرعاية الزوجين أحدهما الآخر، لا للتحكم بالمرأة واستعبادها، والطلاق بيد الإثنين معاً وحقوق المرأة محفوظة، ولا وجود لمصطلحات “بيت الطاعة” و “الخلع” وغيرها، ولا يمكن له رميها في الشارع تبعاً لأهوائه {لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ} (الطلاق 1)، وفي نقل الملكية الوصية هي الأساس وقوانين الإرث هي خيار ثان، وفي هذه القوانين التي تنظر إلى العدالة العامة، لا تعصيب ولا عول، والأولاد هم إناث وذكور وحصة الأنثى تعادل حصة الذكر غالباً، والبنت تحجب الإرث عن أعمامها.
فإذا قرأنا قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} (النساء 59) خلصنا إلى أن المصدر الأساسي للتشريع وضع خطوطاً عريضة وترك للناس حرية التشريع، اقتداءً بالمشرع الأول وهو “الرسول” حيث شرّع لعصره ما رأه مناسباً، وعلى كل ولي أمر التشريع كذلك، وولي الأمر تؤهله معرفته بهذا الأمر، من خلال البينات والإحصائيات، وهو ما أخذ في الدول المتقدمة شكل البرلمان، حيث ينتخب الناس من يثقون بهم، ومن ثم يطيعون القوانين الصادرة عنهم.
والسؤال الذي يطرح نفسه هل نعتمد السنة كمصدر تشريع في ما نقل إلينا عن أنه “لا يفلح قوم ولوا أمرهم إمرأة” حتى لو أمامنا أمثلة واضحة عن فلاحهم؟ أم إجماع الشافعي وأصحابه على أن “الأولاد في الإرث هم الذكور فقط”؟ أم قياس الشاهد الحي على آخر ميت وقياس ما جرى قبل ألف عام على ما يجري اليوم؟
كتاب الله أمامنا وفي متناول أيدينا، والقيم الإنسانية فيه ينبغي أن تعتمدكمرجعية أخلاقية لأي دولة، أما فيما عدا ذلك فلا تحرموا الناس من حقوقهم باسم الإسلام زوراً وبهتاناً.